Tuesday, July 03, 2012

فِي رِثَاءِ الْبطيخةِ



كلما رأيتها اقول سبحان من خلق وأبدع .. لها شخصية وشموخ وتميز يجعل تركها بجوار صديقاتها عند البائع شبه مستحيل .. خضراء تلمع وسط أشعة الشمس تغريك بعالم بطيخي ساحر .. تمسح جبهتك من العرق وتسرح في الملكوت لثواني وتتخيل نفسك جالساً بالملابس الداخلية بجوار المروحة وامامك سفرة عامرة بقطع شديدة الحُمرة من البطيخ الساقع الرائع وجبنة بيضاء وياحبذا لو كانت جبنة فيتا وإن شاالله ماحد حوش .. لا يعكر عليك صفو جمال هذا المشهد إلا لب البطيخ الذي كنت تتمنى ان يختفي من كل بطيخ العالم بضغطة زر إلغاء دولية موحدة

تذهب لبائع البطيخ بنظرة ردارية لا تتوقف عن عمل مسح شامل لكل البطيخات الموجودة عنده ، تكاد تصلي ركعتين إستخارة قبل إختيار البطيخة الصحيحة ولكنك تعتمد على فراغة العين وتختار اكبرهم حجماً وأكثرهم لمعاناً وتتوكل على الله بعد أن تربت عليها بحنان الأب فترن ويرتاح قلبك وتظنها حمراء  ، يعرض عليك البائع ان يشقها لك ع السكين وكله ثقة بجمالها وروعتها ، فتصدقه للأسف لأنك طيب وغلبان . تأخذها وتركب توك توك وكلك بهجة وأمل فتفاجئ بأغنية في التوك توك لا تتحدث سوى عن العذاب والمرار والسواد والإكتئاب .. (هل هذه علامة؟) تسآل نفسك قبل الإنفجار في ضحك هيستري متواصل.

تأخذ سكينة وتقتلها بلا رحمة وانت تدعي وتبتهل بأن تطلع حمراء هذه المرة حتى لا تصدق هواجسك الموسمية بإنك شخص نحس ولا حظ لك في البطيخ ، تفاجئ بكونها قرعاء تماما كما ظننت من قبل وكذبت ظنونك خوفا من القهرة ، ها هي القهرة أمام عينك مستديرة وكبيرة ولن تنتهي في يوم وليلة ، تحوش دموعك بعد أن تتذكر ثمنها الذي لهفه البائع حار ونار في جثته وتقطعها وتضعها في الثلاجة وتسلم أمرك لله 

تشرع في أكلها على العشاء وطفلك ذو الأعوام الخمسة سعيد جدا لانك أخيرا اشتريت هذه الفاكهة الضخمة المحاطة في عقله بهالة من الأسرار والغموض ونهر جارِ من الأسئلة ،  بعد إسبوع من إلحاحه المتواصل عليك لتشتريها ، ثم يهجم عليك بحضن كبير وقبلة غير متوقعة تنم عن سعادة مفرطة .. فكرة ان البطيخة طلعت قرعة في حد ذاتها قتلت استمتاعك بجمال الحضن والقبلة في مقتل ، وما ان بدأ ابنك في أكل قطعة من البطيخة حتى توقف قليلاً وانهمك في التفكير (هي دي البطيخة اللى قعدت اطلب فيها اسبوع؟! ) يرى خيبة الأمل في عينيك فيشفق من اخبارك بهواجسه ويستمر في أكلها في صمت 



تمشي في الطرقة الموصلة لغرفة النوم هائماً على وجهك ، تحاول النوم دون جدوى ، فللبطيخة القرعاء جرح غائر في القلب وحزن عميق في النفس لا يذهب إلا بإنتهائها ، وعقد العزم على شراء أخرى والدعاء بأن تفوز ببطيخة حمراء مرملة ولو لمرة واحدة قبل ما تموت قادر يا كريم ، تنام بعد الدعاء فتجد ابنك يطرق على الباب ويدخل يقبلك مرة أخرى ويدور بينكم هذا الحوار:ا

الابن: بابا انا مش عايزك تجيب بطيخ تاني  

الاب: ليه بس؟ عشان قرعة؟ ، يابني انا مش بحب أستسلم لليأس طول عمري وإن شاء الله ربنا هيكرمنا  ببطيخة حمرا ومسكرة في يوم من الايام .. قول يارب
ت 

 Lالابن: لا مش عشان لونها يا بابا .. انا زعلان عشان البطيخة طلع فيها بذر  

ما ان تصل هذه الجملة لأذنك حتى تجد نفسك تقفز من فوق السرير كالمدوغ وتلتقط فردة الشبشب من الأرض بسرعة وتقذف بها طفلك على طول ذراعك في حركة بهلوانية رشيقة وانت تصرخ: لاهو انت كل ده ماكنتش تعرف ان البطيخ فيه بذر يابن الكلب؟!ه