كناسة الدكان by يحيى حقي
My rating: 5 of 5 stars
View all my reviews
My rating: 5 of 5 stars
يقولون أن الكتاب الجيد هو الذي تشعر بعد قراءته أنك فقدت صديق عزيز ، هذا تحديداً ما أشعر به الآن ، ولدي رغبة قوية تدفعني لكي أنظر لبداية الطريق لأعود وأسلكه من جديد فاقرأ ليحيى حقي مرار وتكرار دون كلل أو ملل
الكتاب عبارة عن مقالات 30 مقالة كتبها يحيى حقي في عدة جرائد ومجلات وجمعها في كتاب واحد ، المقال الأول في به سيرة ذاتية للكاتب بقلمه تحت عنوان اشجان عضو منتسب ، هي سيرة ذاتية بالفعل ولكن يمكن اعتبارها عمل أدبي منفصل بذاتها لجمال وحلاوة صنعها كأنه لا يكتب بل يغزل بالحروف لنقرأ قطعة فنية غاية في الروعة والإبداع .. دُهشت لكونه من أصل تركي وغير مصري ومع ذلك يعتبر راهب عاشق في معبد اللغة العربية شديد الاندماج بتربة مصر وأهلها ، تعدت سيرته الذاتية للحديث عن تطور فن القصة في مصر وانتقالها من اسلوب الوعظ والارشاد والخطابة الى اسلوب يصلح للقصة الحديثة كما وردت من اوربا .
أعجبت بوصفه للكاتب بالبوق عندما قال: أصبحت الآن أحس إحساساً واضحاً قوياً أنني لست إلا بوقاً ، لا قيمة له في ذاته ، ولكن قيمته أن إرادة لا ندري سرها إختارته لكي تهمس منه – على تقطع – سليقة اللغة والتراث مختلطة بأشجان الإنسان منذ أعز أجدادي – ساكن الكهوف – حتى اليوم .
يدخلك عالم لم تعاصره على الإطلاق عندما يحكي لك مشقة الخطوات الأولى لفن القصة القصيرة في الأدب العربي الذي أقتبس في البداية من الأدب الغربي ، وكيف أن القصص في البداية كانت باللغة العامية ، ليس هرباً من مشقة الفصحى وحسب بل لكي يكون الأدب معبراً عن المجتمع بصدق ، ثم حدث التحول إلى اللغة العربية لأنها " الأقدر على بلوغ المستويات الرفيعة ، على ربط الماضي بالحاضر ، على توحيد الأمة العربية " .
ثم تحملك باقي المقالات في قطار من اللغة الراقية والأسلوب المُدهش والتجربة الفريدة ليوصلك لعالم يحيى حقي الأدبي المميز ، تعيش معه منذ الطفولة وشقشقة فجر أيامه في البيت وفي المدرسة ثم الجامعة ، وصولاً لعمله في السلك الدبلوماسي ، وتجربة سفره إلى جدة فيسمح لك أن ترى كيف كانت الحياة في جدة عام 1929 من خلال مذكراته عنها ، ثم سفره إلى تركيا ثم إيطاليا فتجرب معه أول لقاء يجمعه بالحضارة الغربية ، مروراً على تجربة فقد زوجته ، حتى تصل معه إلى سن المعاش .
كنت اقرأ الكتاب على مهل كأنني أشرب عصير جميل أخشى أن ينتهي قبل أن أشبع وفي نفس الوقت كنت أركز كأنني أذاكر كل لفظ يكتبه ، ضحكت وأنا اقرأ بعض المقالات وإبتسمت مع البعض الآخر لرقاقة طبعه وجمال شخصيته ، وكعادة الدنيا فكل جميل فيها ينتهي .. إنتهى الكتاب بعد أن وقعت في حب الدكان وصاحبه والكُناسة بذات نفسها .
View all my reviews