Sunday, January 31, 2010

سوق الخضار الحضاري


آخر ما كنت اتوقع سماعه فى سوق الخضار هو اغنيتي المفضلة " سهر الليالي " لفيروز، حينما قام بغنائها بائع الطماطم " المعفصة " متباهياً بقدراته الصوتية الفاذة وبذوقه الفني العالي ، أفقت من صدمتي عليه يستعرض بأحباله الصوتية جميع الأغنيات الحديثة والجديدة فهو تارة يغني لمحمد فؤاد ثم " يلضم " اغنيته بأغنية أخرى لمغنية مجهولة المصدر ولا اعلم اسمها حتى الآن ، محاولأ التأكيد على انه يسمع القديم ولكنه يشجع الجيل الجديد ولا يقف ضد الحداثة

لم استغرب بعد قليل هذه الثقافة الموسيقية العريضة عند بائع الطماطم حيث يقع امامه محل دجاج تنبعث من داخله أصوات الأخت العزيزة إليسا مشغولة فى غناء ألبوها الجديد ، لم افكر فى الصدمة مرة أخرى ولكني حاولت إيجاد سبب مقنع لأستمتع بهذا الجو الثقافي المميز أطول فترة ممكنة فسألت بائع الدجاج عن الأسعار ووجدت انها أرخص من السوبر ماركت الكبير فقررت الشراء

للأسف لم يكن بائع الدجاج على نفس قدر الموقف الثقافي الخضاري الرائع إذ إنه لم يكن يلبس قفاذات ، فجأة تذكرت ان هناك مرض يسمى انفلوانزا الطيور - ربنا يشفيها منه يارب - وتقافزت فى ذهني كل الإعلانات الإرشادية للأخ الأستاذ شعبان عبد الرحيم والأخت انتصار محذرين فيها النساء من شراء الدجاج الطازج من البائعين ، تخيلت كيف سيكون رد فعل الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة لو علم بما ارتكبته كإنسانة مصرية غشيمة

هي زيارة ثقيلة على النفس على اى حال ولكن ماذا افعل كمواطنة عاطلة عن العمل؟ ، ثم اننى لا أدري لماذا يُصرون على وصف هذه الحالة بالبطالة وليس العطالة ، فأنا عاطلة عن العمل أينعم ولكني لست باطلة بأي حال من الأحوال فأنا مواطنة مصرية اتغذى على الخضار الملوث وأركب الميكروباص
نعم مصرية رغم اختلاف بشرتي عن بشرة أهالي القاهرة والأسكندرية وكل محافظات وجه بحري ، ولكني مازلت مصرية رغماً عن الجميع ورغم انف البلد نفسها ، حتى أننى متأكدة من انه إذا تم البحث فى سلالتي جيداً قد يحدث الإكتشاف العلمي الكبير ويجدوني حفيدة للبشمهندس الكبير " مينا " موحد القطرين شخصياً ، ولما لا واختى حنيما ترغب فى تدليعي دائما ما تناديني بـ"مينا" .. أليس هذا دليلاً كافياً؟

Friday, January 08, 2010

طقوس الوحدة



كانت حقاً تعشق يوم الجمعة ، لم لا وهو اليوم الوحيد الذى تتخلص فيه من وحدتها التى تلازمها ولا تتركها في أى يوم آخر سوى ذلك اليوم، فهو يوم فريد وجميل له رونقه الساحر وطعمه المميز ، وليوم الجمعة طقوساً خاصة جدا تميزه عن أى يوم آخر ، فتظل طوال أيام الأسبوع تفكر كيف ستقضي هذا اليوم وتخطط للإستمتاع به بل بكل ثانية فيه .

ولكن دائما ما يأتي يوم الجمعة لنفسه بخطط أخرى وترتيبات أخرى .. فليكن فهى لا تترك أى شئ يعكر صفو هذا اليوم .. حتى لو وصل الأمر إلى قضاء ذلك اليوم فى البيت مع زوجها فى هدوء وسلام

ظلت كعادتها تفكر بحماس شديد كيف سنقضى يوم الجمعة القادم ؟ ... فكرت كثيرا وتوصلت لبعض الخطط البسيطة لتقضي يوم أجازة سعيد ، ولكن قبل أن يأتى اليوم المنتظر بيومين وجدت زوجها يخبرها قبل أن ينام بأنه سيضطر الى الخروج بدونها يوم الجمعة وان والده يحتاجه فى امر ضروري وانه موعد مهم جدا ولا يستطيع الاعتذار عنه

موعد؟ أى موعد؟ .. واى شئ اهم من اجازة يوم الجمعة؟ .. سأقضيه وحيدة أيضا؟ .. ألا يكفي كل أيام الاسبوع من الصباح الى المساء وحدي تماما؟؟؟ .. لماذا كل هذا؟؟ .. لماذا يوم الجمعة؟ ولماذا أنا بالذات؟؟ .. هذا اليوم لا يأتي كل يوم .. انه يوم جمعة واحد ويأتي كل اسبوع مرة واحدة فقط .. ألا يوجد أحد يدرك هذه الحقيقة غيري؟؟؟

كادت تثور ولكنها تمالكت أعصابها وردت عليه فى هدوء مصطنع .. قالت له: انه والدك ويجب ألا تتأخر عليه إذا طلبك وإن لم تذهب إليه كما آراد سأغضب منك ، نظر إليها فى صمت واغمض عيناه وذهب فى رحلة عميقة مع النوم

جاء اليوم المنتظر .. حاولت جاهدة ان تثبت له ان لا شئ يزعجها فى هذا ابدا ، ليس هناك اى مشكلة .. قد تعودت على ذلك منذ زمن .. حاولت التظاهر بالسعادة وعدم الإكتراث بالأمر .. حياها ونظر اليها نظرة مشفقة وخرج

وما ان اغلق الباب حتى بدأت تشعر برياح الوحدة المؤلمة تعصف بها .. نعم إن للوحدة رياح .. هواء صامت بارد مؤلم تشعر به يصول ويجول داخل صدرك ليثبت لك انك وحدك تماما .. وانك حقا تعاني آلام الوحدة

ها قد عادت للوحدة من جديد والخوف من كل شئ حتى طرقات الباب وإنقطاع الكهرباء وإنطفاء الأنوار ، هى رغم كل شئ مازالت تخاف من الظلام كالأطفال ، عادت للإنصات لدقات الساعة وعذاب الإنتظار وقسوة الصمت ، تشعر ان الحياة تتوقف فجأة وتتحول رغماً عنها الى اللونين الابيض والاسود فقط ولا تكتمل باقي الألوان الا إذا إنتهت وحدتها

حاولت ان تشغل نفسها بأي شئ حتى لا تشعر بهذا الفراغ البغيض ، راحت تنجز بعض المهام المنزلية .. انهت كل شئ ولازالت تشعر به، جلست امام الكمبيوتر وحدثت بعض صديقاتها ولكنها ملت كل ما كانت تفعله طوال الأيام الماضية .. هي لا تريد شيئا .. لا يوم جمعة ولا خروج .. هي فقط تريد ان تشعر ان هناك أحد آخر فى البيت غيرها .. سئمت الصمت والركود والفراغ والوحدة

تركت الكمبيوتر وفتحت التلفاز والقنوات الفضائية .. كل شئ كما تركته بالأمس .. البرامج والمسلسلات والاغاني والمسابقات والمسرحيات والإعلانات .. كما هو، الإستظراف والإستهوان بعقل المتفرج والتعتيم السياسي وإنعدام الشفافية ، مذيعين لا يفقهون شيئا عن أساليب الحوار ، سياسيون لا يعلمون شيئا عن شعب منكوب .. حتى البرامج المحترمة فهي تقدم نفس الجرائم الاجتماعية والسياسية والفكرية والتعليمية والطبية .. لا جديد بالفعل


اغلقت التلفاز ووجدت أجندة مذكراتها بجوارها .. فتحتها واخذت تسطر بعض الخواطر " أيتها الوحدة .. لماذا لا تتركيني .. ألهذا الحد احببتي وجودك معي ولا تريدين تركي وشأني؟ .. لماذا ايتها الوحدة .. هيا اجيبي .. ام انك وحيدة مثلي ولم تجدي غيري يؤنس وحدتك؟ .. لا بأس فهو ليس ذنبك على اى حال .. انتى الوحدة وانا وحيدة .. يجب ان نتلاقى ونؤنس بعضنا بعضاً .. أليس كذلك؟ "!!!ا

ابتسمت فى يأس واغلقت الاجندة ووضعت القلم ونظرت الى الساعة وقالت لنفسها: ياااه مازال اليوم طويلاً .. ولاحظت ان عقرب الثواني يمشي متثاقلاً كأنه ملّ حركته البطيئة المستمرة فى دائرة الزمن اللانهائية

شعرت بالبرودة فذهبت للسرير علها تشعر ببعض الدفء .. اخذت إحدى الروايات وشرعت فى قراءتها .. تركت آلامها ووحدتها عند غلاف الكتاب وذهبت مع الابطال فى دنياهم واحلامهم وطموحاتهم .. اندهشت كثيرا من الحب العميق الذي يكنه البطل للبطلة .. كلما قرأت أكثر تأكد لها الإحساس بإن هذا لا يمكن ان يكون حقيقة أبدا .. ابتسمت وقالت لنفسها: كلام روايات

ظلت تبحر فى عالم الابطال حتى ذهبت فى النوم وفُتح لها باب الاحلام .. رأت نفسها طائر أبيض جميل ينطلق بحرية فى السماء الزرقاء ويمرح مع أقرانه الطيور فى سرب جميل منظم على هيئة قلب ، كانت هي سن هذا القلب ، كانوا جميعاً سعداء يمرحون ويرقصون ويلعبون ، كانت أشهدم بهجة وسعادة ومرح على الإطلاق ، كم حلمت بأن تطير فى الواقع وهاهو الحلم قد تحقق وهي تطير بالفعل ، تفرد أجنحتها وتحضن العالم فيبادرها الهواء بحملهم عنها وتركها تستمتع بأحضان الكون الساحرة ، ما أحلى السبح فى رحاب السماوات البعيدة ، لمحت على الأرض فتاة تشبهها كثيراً فى حديقة كبيرة وجميلة ووجدت حولها كل اصدقائها واهلها وجيرانها حول هذه الفتاة .. كان الجمع كبير جدا ، كانوا يحتفلون جميعا بعيد ميلادها وهي فى غاية البهجة والسرور .. تتحدث مع هذا وتداعب هذه وتأخذ هدية من هذا .. الكل يمرح ويلعب ويلهو وهي معهم فى سعادة وفرحة غامرة

استيقظت فوجدت رأسها يستند الى الكتاب وايقنت انه لم يكن الا حلما جميلاً وليس حقيقة .. تمنت لو لم تستيقظ .. ابتسمت فى يأس مرة أخرى واغلقت الرواية ونظرت الى الساعة وقالت لنفسها: ياااه حان المساء ومازلت وحدي .. ولاحظت ان عقرب الثواني مازال يمشي متثاقلا كأنه ملّ حركته البطيئة المستمرة فى دائرة الزمن اللانهائية

تمت