Sunday, March 28, 2010

مش لحمة

كشفت أخيرا وكالات الأنباء عن غموض العلاقة بين اللحمة والمش ، حيث تناثرت الأخبار التي تؤكد وجود علاقة غرامية آثمة بين اللحمة المستودة والمش المصري والتي بدأت فى مطلع هذا العام حينما تعرفا لأول مرة على بعضهم البعض فى الأراضي المصرية ، فأعجب المش المصري بجمال اللحمة المستوردة وإعتبرها "موزة جامدة طحن " في حين أعجبت اللحمة بقوة شكيمة وشخصية المش المصري كرمز من رموز الشجاعة وصمود الإنسان المصري الصميم وإعتبرته من الذين تصفهم الجملة المشهورة " المصري معروف بقوته وجبروته " فتعاملت معه اللحمة المستوردة على انه جامد فحت موت أكتر تلات حاجات!ا


استمرت هذه العلاقة الغرامية لمدة كافية لحدوث الطامة الكبرى وهي إنجاب اللحمة أطفال غير شرعين من المش حيث تكاثر وتفشى الدود فى أنسجة اللحمة بكثرة بشكل غير مسبوق فى تاريخ البشرية ، كما ظهرت هذه الفضيحة الأخلاقية جلياً فى الأسواق المصرية مما أدى إلى عزوف الكثير من الشعب المصري عن أكل اللحمة أم دود معلقين على الحدث: إحنا مستحملين المش أبو دود بالعافية أساسا وبعدين هو راجل والراجل ما يعبوش حاجة إنما انا إزاي ادخل في بيتي وعلى مراتي وبناتي لحمة فاسدة وساقطة زي دي؟!!!ا

هذا وقد دافعت اللحمة عن نفسها في إحدى الجرائد " الحمراء " والدموع تنهمر من أنسجتها الملوثة وتغرق صفحة الجريدة قائلة: يا جماعة انا لحمة محترمة ومن عيلة والمش هو اللى غواني وضحك عليا ومشاني فى طريق الانحراف .. وانا بصراحة بحب الإنحراف أوي


ثم رد المش فى إحدى الجرائد " الصفراء" على إتهامات اللحمة له قائلاً: هي اللى لحمة سايبة ومالهاش رابط وماشية على حل دهنها ، انما انا راجل ومش مشكلة اما اغلط ، وبعدين انا مالي ماهي اللي انبهرت بالدود بتاعي ده غير إن ريحتي النفاذة عجبتها جدا واعتبرتها فلكلور مصري أصيل


وفي لقاء تليفزيوني للحمة - فى القناة اللى أمام كشك أبو نسمة - صرحت بإنه على المش المحترم ان يكون راجلاً بمعنى الكلمة ويتحمل نتيجة غلطته وفعلته الرهيبة ويثبت إن الديدان دي ديدانه ويكتبهم على اسمه !ا


وفي لقاء تليفزيوني آخر – فى القناة اللي خلف كشك أبو نسمة - رد المش: الديدان دي مش ديداني ولا ليا دعوة بيهم وكما نعلم جميعاً إن الدود للفراش ، وانا طول عمري فقران وضاربني السلك ومش معايا فلوس أجيب زلعة أساسا حيبقى معايا فلوس عشان أفرشها منين بقى ؟؟؟


هذا وقد استمر اللغط الدائر بين اللحمة والمش وتناثرت التصريحات وبدأوا فى التراشق بالإتهامات وقال على رأي المثل " ما شوفهومش وهما بيسرقوا شافوهم وهما بيتحاسبوا !" ، وفي إحدى تصريحات اللحمة الساخنة هددت برفع قضية نسب على المش وتجريسه أكتر ماهو متجرس وجرجرته فى المحاكم إذا اصر على إنكار أطفاله من الدود


في حين أبدت منظمات حقوق الديدان دعمها الشامل والكامل للحمة فى مواجهة هذا المش المتوحش المفترس المنحل ، لأن اللحمة كأنثى من حقها تغلط طبعاً والراجل المتخلف هو اللى يشيل الليلة


وفي حوار صحفي فريد من نوعه صرح الأستاذ المش إنه مايشرفهوش كمش محترم يتجوز لحمة مفضوحة فرطتت فى نفسها قبل كدة وإتملت دود بالشكل ده ، ده غير سيرتها اللى بقت على كل لسان .. وإنه يوم ما يفكر يتجوز حيتجوز لحمة بلدي محترمة مش لحمة صايعة مش عارفين جاية منين أساساً


هذا وقد قامت منظمة حقوق الديدان المصرية برفع قضية ضد المدعو المش لصالح الست اللحمة ، وطبعا اللحمة عشان مؤنثة كسبتها والمش اعترف بدوده غصب عنه واعلى ما فى زلعته يركبه !!! .. جدير بالذكر إنه من آثار هذا اللغط اللاأخلاقي بين المش واللحمة عزوف الكثير والكثير والكثييييير من الشعب المصري عن أكل اللحوم أم دود .. فضلاً عن عزوفه عن اللحمة البلدي لا لغلوا أسعارها كما يزعمون وإنما لإنعدام الثقة فى أخلاق أي لحمة حتى لو كانت بلدي وبنت أصول

كما إنتشرت فى أرجاء المحروسة الشعارات المحرضة على مقاطعة اللحمة مثل


المصري اللى على حق يقول للحمة لأ

لا لحوم بعد اليوم .. الخضار أهم أهم

الموت للدودة الخبيثة .. والمجد للكوسة الطويلة

لا للبرجر لا للسويس .. نعم للخس نعم للقرنبيط

لا للحمة لا للدود .. بالخضار ومش حنموت

السمكة دح دح .. اللحمة كخ كخ

Wednesday, March 24, 2010

مستعمرات لا مستوطنات


إذا سمعت من خطيب على منبر كلمة " تفكيك المستوطنات

فاضحك واضحك كما تشتهي

إنها ليست قلاعاً من الليجو أو الميكانو التي يلهو بها الأطفال

إنها إسرائيل ذاتها

إنها إسرائيل الفكرة والأيدولوجيا والجغرافيا

والحيلة والذريعة

إنها المكان الذي لنا وقد جعلوه لهم

المستوطنات هي كتابهم .. شكلهم الأول

هي الميعاد اليهودي على هذه الأرض

هي غيابنا

المستوطنات هي التيه الفلسطيني ذاته


رأيت رام الله
مريد البرغوثي

Monday, March 22, 2010

رسائل البحر الميت



كان لازم أخرج نفسي من الإكتئاب وأغير جو وأحاول أبسط نفسي على قد ما أقدر ، ماكنش فارق معايا اعمل ده إزاي أو أخرج أروح فين .. بس كل اللى كان هاممني إني أخرج برا البيت وخلاص ، قررت أروح السينما وبما إنى مش فارق معايا اروح فين فأكيد ماكانش فارق معايا أدخل فيلم ايه لأني مش متابعة الإعلانات ولا حاجة ، لما وصلت لاقيت زحمة ولاقيت كام أفيش كدة واحد منهم اسمه "رسائل البحر" ومدعوم من وزارة الثقافة – طب ما يدعمولنا الأنابيب واللحمة الأول – والتاني اسمه "كلمني شكراً" والتالت اسمه "ولد وبنت" – مدينا قفاهم فى الأفيش – والرابع اسمه "أحاسيس" وباين من عنوانه يعني!ا

قررت أدخل فيلم "رسائل البحر" مش عارفة ليه بس سمعت انه كويس ده غير ان جملة ( بدعم من وزارة الثقافة ) أثارت فضولي وقلت لازم اتفرج على الدعم الثقافي بنفسي – وأهو أبقى شوفت الدعم بعيني قبل ما اموت - وقفت استنى قبل ما الميعاد يجي وبدأت الهواية الأزلية والأبدية للبنات فى النظر لبعضهم البعض من فوق لتحت ، نظرة بها الكثير والكثير من البرود والدهشة والتحدي والغموض ، تشعر ان النظرة تقول لك: "إيه ده هو ربنا خلق فى الدنيا بنات تانية غيري ولا ايه؟؟؟ وبعدين ايه دي؟ هي مالها شكلها عامل كدة ليه!!!!؟؟؟؟"ا

قطع تركيزي في تفسير نظرات البنات الحادة شوية شباب وقفوا يغنوا اغنية "الحب كدة" بصوت عالي كأنهم عايزين يوصلوا رسالة لشخص تاني ، وكان الشخص ده شاب واقف جنب شباك التذاكر وحاطط ايده على كتف واحدة تانية شكلها حبيبته بس أكيد مش مراته لإن محدش بيحط ايده على كتف مراته كدة إسألوني أنا .. احم .. يللا ما علينا.

الشاب اتنرفز قوي وحس من معاميقه الرجولية وآذان إستشعاره الشبابية انه لو ساب البنت حبيبته لوحدها عشان يروح يحجز التذاكر مش بعيد أبداً تتخطف أو تتعاكس او حد يتحمرش بيها - لا قدر الله - أو حد يفكر يحطها فى ساندوتش كبير فرنساوي وياكلها بالكاتشب والمايونيز والعياذ بالله ، بان عليه الحيرة والضجر والحنق – ايه الحنق ده !!؟؟

الشاب فضل يتلفت حواليه لحد ما لقى راجل كبير واقف جنب مراته هو باصص فى ناحية ومراته باصة فى ناحية تانية ، وده بالذات أكتر حاجة خلتني متأكدة انهم عصفورين محبوسين فى القفص الذهبي اللى اسمه الجواز ، المهم راح له وفى إيده حبيبته وسلمها للراجل على سبيل الأمانة – أيوة ما انت ممكن تسيب شنطة ولا علبة مع أى حد على سبيل الأمانة عادي يعني ماتحبكوهاش أمال - وقاله: " إنبي تخلي بالك منها عقبال ما اروح احجز وآجي لحسن الشباب بيعكسوهالي وانا خايف عليها موت والنبي

الراجل وافق وابتسم ووقف مذهول مش مصدق نفسه ولسان حاله يقول: " ياخويا بلا نيلة حد يطول؟ ، ياريتهم يخطفوا مراتي ولا ياكلوها حتى بالسم الهاري" .. جري الشاب يحجز عشان يوصل لحبيبته روح قلبه ننوسة عينه من جوا بسرعة ويرحمها من الذئاب البشرية الشبابية الذكورية الوحشية ، والبنت وقفت مبسوطة وحاسة بزهوة وفرحة واتنفخت مرة واحدة كما الديك الرومي وعقل بالها بيقول: " طبعا اتنفخ ما أنا حلوة وأمورة وعسولة وبتعاكس والواد بتاعي خايف عليا كمان .. يارب توب علينا من قعدة السنيمات دي بقى ونتلم فى بيت واحد يارب .. يارب يحس على دمه ويجي يتجوزني بقى أحسن انا زهقت خلاص كل صحباتي اتجوزوا وانا لسة قاعدة جنب أمي وبلف فى السينمات

الست مرات الراجل اللى قبل الأمانة بقى فضلت تبص للبنت من فوق لتحت تتفحصها وتتمحصها حتة حتة وشبر شبر ، أكلتها بعنيها كدة .. وشوية وبقت تضحك على هبل الحب وعبطه – أي والله – ولسان حالها بيقول: " يلا .. اتمتعيلك شوية بكرة تتهري غسيل وطبيخ ومواعين وكنس وخلفة وتخن وزن وقرف وياريته عاجب فى الآخر بلا هم " .. الشاب خلص الحجز ورجع خدها تحت دراعه وكان هاين عليه يخبيها جوا الجاكيت بتاعه وقعد يتلفت حواليه يشوف مين حيتجرأ ويبص على الموّزة بتاعته وهي معاه

وعند شباك التذاكر لاقيت اتنين ستات فى سن الأربعينيات تقريباً وشكلهم أصحاب وواحدة منهم مصممة تحجز لفيلم أحاسيس والتانية تقولها: " يالهوي انتي مش شايفة اعلاناته عاملة ازاي؟ ده كله قلة أدب وبوس وحاجات عيب .. عيب خالص يانصيبتي " .. قامت صاحبتها وشها ضرب ألوان أحمر درجات وأصفر بقع وهي قدام شباك التذاكر واتحرجت خالص بس فضلت مصممة على دخول الفيلم ده بالذات وقطع التذاكر .. وصاحبتها تقولها : " يابنتى بلاش ده وحش والله " .. التانية ترد: " فيلم أحاسيس وحش!!! .. لأ ده مافيهوش حاجة خالص صدقيني .. حتى لو مش مصدقة اديني بأحجز أهو وحندخل نشوف بنفسنا وحش ولا مش وحش!" .. وما أن أتمت جملتها الأخيرة حتى ظهرت فى عينيها نظرة خبيثة جدا

الجمع كان كبير والشباب كتير والبنات ، كل خروف جارر له معزة وماشي بيها ، بس كان فيهم خروف جارر معاه جوز خيل يعني بنتين مش بنت واحدة ، ماشين يتمخطروا جنبه وهو مبسوط أوي .. المشكلة إن اللبس بتاعهم أهل بلد الحريات بذات نفسهم يتكسفوا يخرجوا بيه ، أكلني الفضول وقلت لازم اشوف شكلهم ايه دول؟ أكيد حلوين .. ولما شفت الشكل إفتكرت القول المأثور الخالد لفضيلة الإمام الشيخ رحمه الله: " أمال لو كنتي حلوة كنتي عملتي ايه؟ 

دخلت القاعة وطبعا سمعت الجملة الشهيرة الوفيرة " كل سنة وانتى طيبة يا هانم" (!!!) .. ماحاولتش أدخل فى جدل إن مافيش مناسبات والنهاردة يوم عادي في أيام السنة وإنهم مااخترعوش لسة عيد معين فى اليوم ده .. لأني اتعرفت على معنى الجملة دي قبل كدة خلاص وعرفت إن معناها الحقيقي (هاتي بقشيش بقى خلي عندك دم ) .. القاعة كانت صغيرة جدا تحس انك داخل تاخد درس خصوصي مش تتفرج على فيلم ، قعدت استنى الفيلم يبتدي من هنا والعزف السيمفوني الجماعي إشتغل من هنا، كل اللى معاه موبايل ـــ وبالذات الصيني أبو صوت عااااااالي زي ميكرفونات الأفراح ده ــ شغل الأغاني اللى فيه بصوت عالى اهو منها يعرفنا انه نضيف وابن ناس وشايل موبايل وانه كمان – ياللهول - حاطط عليه أغااااني والمطرب صوته طالع وبموسيقى كمان، تصور؟!ا

مش عارفة ليه كل ما أدخل السينما حد طويل قوي يقعد قدامي انا بالذات دوناً عن الناس كلها، عمر ما حد قعد قدامي قصير أبداً أو وسط حتى .. مافيش .. كله باني أدوار زيادة مخالفة من غير تراخيص! .. جت شلة شباب قعدوا فى الصف اللى قدامي على طول ، أربع شباب ثلاثة قصيرين والرابع طويل جدا وقام قاعد الرابع ده فى الكرسي اللى قصادي قطع عليا الماية والنور، مش معقول كدة يا جماعة مش كل مرة بقى .. انا ابتديت اشك انهم بيأجرولي واحد طويل مخصوص يقعد قدامي فى السينما عشان ما اشوفش!ا

النور انطفي والقاعة ضلمت والفيلم ابتدا والمفروض ان الكل يسكت بس ده ماحصلش ، الناس كانت لسة بتدخل القاعة وطبعا الراجل مش حيعرفهم يقعدوا فين فى الضلمة دي إلا لما يقولهم كلهم كل سنة وانتوا طيبين وهابي نيو يير وكل عيد أم وانتي بخير يا حاجة !ا

حاولت أجمع كل قداراتي الذهنية والعقلية والفكرية عشان أركز مع الفيلم وسط الدوشة دي بس فشلت فشل ذريع مريع ، الناس فضلت تدخل القاعة حتى لما نص الفيلم عدى ، والجميل انك تحس ان فى بارتي – حفلة يعني – قدام زحمة بقى ودوشة وهات السندوتش يا واد وانسدي يابت وعيب ولأ وأي وبس وهوس ويوه وأيوه وأرحمونا يا خلق هو .. وشوية شباب رايقين كدة وقفوا قدام عند الشاشة لاهم حيقعدوا ولا عايزين حاجة بس أهي غلاسة والسلام ، يعني هم معقول يسيبوك تتفرج على الفيلم فى رواقة وبساطة وسهولة كدة؟ ده حتى تبقى عيبة فى حقهم كشباب واعي مثقف بيقدر الفن السابع آخر تلات أربع حاجات!ا

اللى دهشني وماعرفتش افسره لحد دلوقتي إزاي يسمحوا لطفل رضيع يدخل فيلم للكبار فقط ؟!!!! وكل شوية صراخ وعياط و" خذى الواد عايز يرضع " .. " الواد شكله عملها على رجلي يا ولية " .. " يووه مش جايبة بامبرز معايا إتهد بقى " .. ما علينا دع الخلق للخالق وخلينا احنا فى الفيلم


كل المشاكل اللى فاتت دي كانت ثانوية إنما المشاكل المزمنة المستمرة ظهرت فى الصف اللى قدامي اللى فيه شلة الأربع شباب – فاكرينهم؟ - هما أربع شباب سيس من الآخر ماتعرفش كدة هما عايشين ليه أصلا ، الفِرِع اللى قاعد قدامي كان معاه جيتار وعمال كل شوية يمسكه يلعب بيه ويعاكس البنت اللى قاعدة فى الصف التاني، لما الفيلم ابتدا بصراحة شوية العيال السيس قاموا بالواجب وزيادة ، رغي رغي رغي رغي عرض مستمر بلا رحمة ، أول مرة أحس بنقمة الرجل الرغاي دي ، يالهوي صدعوني ، هاتك ياكلام وهاتك يا ضحك والناس مش عارفة تسمع حاجة وياريت صوتهم واطي .. عيال سيس سيس يعني

رغم كل المحن دي حاولت برضه أركز مع الفيلم العجيب ده ، الفيلم كان حالم أوي ومليان رموز وإغراق فى الإنسانية ، تحس لما تشوفه كدة انك بتقرا رواية حالمة لا هي بتديك الحل ولا بتطلبه منك ، هي بس عايزاك تحس بيها وتعيش معاها وبس ، نوع من الغزل على الصوف الإنساني الرقيق لإخراج منتج أكثر رقة وعذوبة

لما شوفت الاعلان فى التليفزيون بعد كدة عرفت العيال السيس وغيرهم كتير دخلوا الفيلم ده ليه ، افتكروه زي فيلم " كلمني شكراً " و لقوه " فهمني شكراً " ، طبعا كل الرموز والجماليات اللى فى الفيلم اتقابلت بضحك رهيب وتريقة وأصوات عالية وإستعباط ، ومع الوقت الشلة اللى قدامي صوتها بقى يعلى اكتر والشتائم اتركزت على واحد بعينه – تقريباً هو اللى شار عليهم يدخلوا الفيلم ده وياريتهم ما دخلوه – لدرجة انهم فى آخر ربع ساعة من الفيلم قعدوا يصوتوا ويزعقوا: " إخلص بقاااااا .. ده انت ح تنضرب ضرب برة .. قرفتنا ياعم الله يقرف أهلك .. ده ايه الفيلم المهبب ده الله يخرب بيتك يا شيخ ويخرب بيت سنينك السودة

الفيلم خلص وخرجت محملة بكثير من المشاعر المتضاربة من حزن وقرف وغضب وغيظ وإشمئزاز من الحالة الثقافية والأخلاقية الوضيعة اللى وصل لها كتير من شبابنا .. ورغبة كبيرة وشديدة وجامحة فى لسوعة الواد الطويل اللى كان قاعد قدامي ده على قفاه ! بس تفتكروا كنت هطوله؟

Saturday, March 20, 2010

السيميائي - والتبحّر فى النفس البشرية


لم يكن كل هذا النجاح الذى حققته هذه الرواية أمراً من قبيل المصادفة ، هذا النجاح الذى لم يكن يتوقعه أحد عندما نشرت هذه الرواية لأول مرة عام 1988 ولم تحقق أى نجاح ولم توزع أكثر من 900 نسخة حتى أن الناشر البرازيلي قرر ألا يعيد طباعتها مرة أخرى ، ويُكتب لها الظهور مرة أخرى عندما تبنى الرواية ناشر آخر وقرر أن يعيد نشرها بعد عامين ، ومنذ هذا الوقت وهذه الرواية تتصدر كل الكتب البرازيلية المبيعة فى حينها وحتى الآن ، حيث أنها ترجمت إلى 67 لغة مما جعلها تدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية لأكثر كتاب مترجم لمؤلف على قيد الحياة ، كما بيع منها 65 مليون نسخة فى أكثر من 150 بلداً مما جعلها من أكثر الكتب البرازيلية مبيعاً على مر التاريخ .

السيميائي رواية عبقرية لا تتجاوز الـ181 صفحة ولكنها تبحر بتعمق شديد فى النفس البشرية الحالمة بأهدافها والمواجهة لطموحاتها بعيدة المنال ولكنها ليست مستحيلة ، تكمن عبقرية هذه الرواية فى البساطة والحكمة والعمق فى آنٍ واحد ، تدور أحداث الرواية حول " سانتياجو" راعي الأغنام الأسباني الذي يذهب فى رحلة للبحث عن تحقيق حلمه بالعثور علي الكنز المدفون قرب أهرامات الجيزة فى مصر ، وتمضي معك الرواية داخل هذه الرحلة المليئة بالعبر والمواقف الرمزية الإنسانية لكل من يطمح فى تحقيق هدف ما فى حياته ، ويبقى البطل حائراً أمام خيارين لا ثالث لهم إما ان يظل كما هو فى حياته العادية – بعيداً عن الهدف – من إستقرار فى بلده والرضا بعمله والعالم الذى تعود عليه بدون مغامرة فى رحلة غير مضمونة النتائج ، وإما ان يخوض التجربة ويمضي فى طريق تحقيق ذاته يشد الرحال ويخرق جدران الليالي والأيام ليبحث بحثاً حثيثاً على كنزه وحلمه وهدفه الذى يوازي البحث عن الذات وتحقيقها من خلال ما أسماه الكاتب بـ"الأسطورة الذاتية".ـ

و"الأسطورة الذاتية" ماهي إلا هدف الإنسان من حياته الذي يدركه عادةً فى مرحلة الشباب وتقوم قوى غامضة بمحاولة صرفه عن تحقيق هذا الهدف من خلال عقبات كثيرة تحول بينه وبين حلمه ولكن إذا ما إستطاع الإنسان أن يلتزم بطريق تحقيق هذا الحلم بحق وجدية فإن العالم بأسره يتآمر معه لكي يحقق له هذا الهدف طالما إستطاع أن يقهر هذه العقبات بشجاعة وإصرار على النجاح.


ومن خلال هذه الرحلة يعلمنا الكاتب بحكمة وهدوء كيف يستطيع كل منا ان يهزم هذه العقبات وكيف يمكن ان تتآمر الحياة لصالحنا وتساعدنا فى تحقيق أحلامنا ، وكيف ننظر إلى الأشياء والتفاصيل البسيطة جداً التي تحدث فى حياتنا كل دقيقة وكل ساعة بنظرة متعمقة ومستوعبة أكثر لما وراء هذه التفصيلات التي تبدو بسيطة وهي فى منتهى العمق والحكمة ، وما رحلة " سانتياجو" فى البحث عن ذاته إلا رحلة تعليمية شيقة وممتعة للقارئ فلا تخلوا صفحة بل لا يخلوا سطر واحد من حكمة ودروس جديدة بسيطة وقوية ومفيدة لكل إنسان فى كل زمان أو مكان.

كتب هذه الرواية الروائى البرازيلي " باولو كويليو " هذا الرجل الذي يحترف العزف على أوتار النفوس ، ولعله حاول من خلال هذه الرواية ان يجسد لنا عبر الكلمات رحلته الذاتية نحو هذا النجاح الكبير ككاتب حيث يقول فى أحد اللقاءات الصحفية : " إن رواية السيميائي هي استعارة من حياتي. لقد كتبتها عام 1988، في هذا الوقت كنت سعيدًا بالأشياء التي كنت أعملها. كنت أعمل شيئًا يعطيني الطعام والماء. وكما الاستعارة في كتابي : كنت أشتغل وكان لدي الشخص الذي أحب وكان لدي المال ولكني لم أحقق حلمي. حلمي الذي كان، ولا يزال، بأن أصبح كاتبًا " .ـ

ومما يزيد الرواية جمالاً على جمال هو أن من قام بترجمتها للغة العربية هو الكاتب والروائي المصري الكبير بهاء طاهر الذي قال فى مقدمة الطبعة الأولى للرواية المترجمة والتي أسماها " ساحر الصحراء" الصادرة عن دار الهلال سنة 1996: " وكلمة الكنز هي المدخل الصحيح لرواية " السيميائي" فهي بإختصار شديد رحلة أخرى من رحلات البحث عن الكنوز التي قرأناها فى الروايات وشاهدناها على الشاشة ، مع شئ من الإختلاف ! ، فالبحث عن الكنز هذه المرة ليس مغامرة إثارة ، نتابع فيها الأحداث المشوقة ، بحيث نتطلع فى لهفة إلى ما تحمله لنا الصفحات التالية من مفاجآت ، هذه المرة نحن فى رحلة بحث عن كنز حقيقي قيل إنه مخبوء فى الصحراء بالقرب من أهرام الجيزة ذاتها ، ولكن الرحلة التي تقود الشاب الباحث عن الكنز من الأندلس عبر الصحراء هى رحلة فى داخل النفس أولاً قبل أن تكون فى دروب الصحراء ، نحن بإختصار أمام رواية فلسفية مثل "حي بن يقظان" لابن طفيل أو " الأمير الصغير" ، ومثلهما هي أيضاً مبذولة للجميع للكبار وللصغار على حد السواء ، لكل أن يستمتع بها فى ذاتها ، ولكل أن يستشف من طبقات المعنى فيها ما يستطيع " .ـ


ومن العجيب أنه قبل نشر رواية " السيميائي" بثلاث سنوات نشر الأستاذ بهاء طاهر رواية له بعنوان " أنا الملك جئت " لم تترجم إلى أى لغة وهي أيضا رحلة بحث عن الذات فى الصحراء ويتساءل الأستاذ بهاء فى آخر سطور المقدمة التي كتبها عن " السيميائي" :" كيف اتفق أن توجد – دون معرفة ولا لقاء – مواقف متطابقة فى العملين ، وفي بعض الأحيان نفس العبارات ؟ .. سؤال أطرحه على روح العالم ! " ا

نحن إذن أمام رواية فلسفية يجب على أى إنسان يريد أن يحقق أى نجاح يُذكر فى حياته أن يقرأها ويتدبرها فهو يحتاج لها كثيراً ، وما أشد حاجاتنا إلى قراءة رواية تدعو إلى الأمل والتفاؤل فى وقت أصبح فيه التفاؤل سلعة بائرة لا يطلبها أحد ، ولعلي احلم بأن تصبح مقررة على الطلبة فى المدارس أو الجامعات فهي بحق رواية تستحق القراءة لمرات ومرات ، فكلما قرأت هذه الرواية تعجبت من مصدر سحرها هذا ، هل هو سحر الرواية أم سحر الترجمة أم سحر الصحراء؟ .. سؤال أود طرحه على روح العالم!!ا


نشرت لي فى مجلة بص وطل
http://www.boswtol.com/culture/culture-followup/10/march/15/9839

Monday, March 08, 2010

نبضات مسحورة


دائما ما أحلم بأشياء بسيطة قد لا يكون تحقيقها بأهمية أحلام وأهداف يعطي تحققها معنى كبيراً للحياة ، ولكني لا أستطيع إلا أن أفعل ذلك حتى لا أحيا ولو ليوم واحد بلا أمل فى الغد وطمعاً فى أن يكون اليوم الجديد هو الذى قد تتحقق لي فيه هذه الأمنيات المصغرة وأشعر بالسعادة ، أحياناً تصل هذه الأمنيات من البساطة إلى حد سندوتش الفول من على عربية فى الشارع وقد تسمو حتى تصل إلى حضور حفلة للموسيقار الكبير عمر خيرت !! واحمد الله إن الحلمين قد تحققا لي أخيراً ، صعلكات الصباح على عربة الفول وتذكرة لحضور حفلة عمر خيرت


استقبلنا عند المدخل بصورته الكبيرة يبتسم لنا ويشكرنا على الحضور ، كان الجمع كبيراً جدا لم أتوقع أن يكون بهذا العدد ، كبار وصغار رجال ونساء وشباب من كل الأعمار والطبقات ، الجميع جاء ليستمتع على أنغام هذا الرجل المبدع ، جلسنا فى البلكون ورأيت المسرح المهيب بأدواره الثلاثة ، الكراسي النظيفة ، الشباب المنمق والشابات الجميلات ، الآلات الموسيقية الزاهية ، الإضاءة الموحية ، انطفأت الأنوار بعد قليل ودخل العازفون بالزي الرسمي والبيبيون الأسود وجلس كل منهم أمام آلته الموسيقية يحييها ويتعامل معها كأنها جزء منه .. صديقته وتوأم روحه .. كل منهم بدأ بداية تمهيدية مع آلته كأنه يوقظها من نومها العميق وجمودها لكي تملأ القلوب حياة بأصواتها الرنانة


ثم دخل هذا الأستاذ الكبير إلى المسرح ومعه المايسترو بعصاه السحرية وإنطلق الجميع فى تصفيق حاد .. جلس أمام البيانو الأسود اللامع كما الرسام المحترف الذى جلس لتوه أمام لوحة بيضاء وألوان وفرشاة وأخذ نفساً عميقاً ثم بدأ فى العزف بالفرشاة على اللوحة البيضاء لتتداخل الألوان ويملأ الفراغ الأبيض بتشكيلات وجوه وصور وذكريات وأماكن وأزمنة وأحاسيس


بدأ بمقطوعة من " العرافة والعطور الساحرة ".. سرحت معه وشعرت بقدميّ ترتفعان فوق الأرض وتأخذاني ونطير فى السماء سابحين فى ملكوت الله .. سحرني بأنامله السحرية علي البيانو الكبير وبدأت طبول الفرح تدق وتشعرني بالبهجة .. شعرت بي أتراقص على أنغامها وأغمض عينيّ وأبتسم من فرط المتعة ، لكن تدخل الكمان الحزين فى الأمر جعلني أشعر بدمعه دافئة تتحرر من أعماقي وتخرج لتستمتع بالموسيقى معي

ثم شرع فى عزف " ضمير أبلة حكمت " .. شعرت بحنين شديد للماضي وأيامه الذهبية المشرقة ، أيام الدراسة والإستيقاظ مبكراً ، شقيقي الحبيب ومشوار الصداقة والتعليم ، المدرسة القريبة من البيت والقلب والمريلة الرمادية والجيب الكحلي وتحية العلم ، صديقات الطفولة وشقاوة سن البراءة ، ساندوتشات الجبنة والحلاوة ، الدفاتر والأقلام ، المذاكرة وسهر الليالي ، الإخفاق والقلق ، والنجاح والآمال والأحلام المؤجلة


وعندما عزف " وجه القمر " شعرت بيد غامضة تحملني وتقودني عاليا لأخترق السحاب ، وأرتفع حتي أصل إلى القمر ، وما إن وصلت له حتى علمت لماذا يستخدم الغرب هذا المصطلح - فوق القمر - للتعبير عن السعادة الغامرة .. إحساس غريب بالتطهرمن الهموم والمسؤوليات ودخول عالم الأحلام والنجوم والنعيم المقيم .. مرجحة فى الهواء بحرية وإنطلاق وعفوية مثل تلك السحابة الجريئة التي تطل على الجميع من السماء بشكلها كما هي دون تجميل .. راضية عن نفسها فى كل حالاتها من إشراق وغيوم .. لا تلقي بالاً لنظرات البشر القاسية .. تتشكل كما يحلو لها وتذهب حيث تشاء .. وعلى من لا يعجبه شكلها أن يعود لينظر إلى تراب الأرض عله يتذكر أنه مخلوق منه !! كم وددت أن أكون مثل هذه السحابة الشجاعة

" ليلة القبض على فاطمة " كانت قاسية .. ليلة القبض على كل مظلوم .. دقات قلبه الصاخبة .. الخوف والرعب فى العيون .. رعشة اليد .. العرق المتصبب من الجباه .. إنقباضة القلب .. ودمعة الظلم الحارقة .. صرخات الأحباب .. لوعة الفراق .. أول ليلة فى الحبس .. نيران الحسرة على كل شئ .. مرارة السجن .. الأنفاس المكتومة .. الليل الحالك والنوم المستعصي .. قطار الأيام البطئ المتثاقل .. قطار قشاش لا يقوى على الحركة ولا يرغب بها .. ركابه ملّوا إنتظار المحطة وفقدوا الأمل فى الوصول

فى " هويد الليل " عادوتني الرغبة فى الرقص والمرح مرة أخرى ، حنين إلى حضن أمي وضحكة أبي ونكتة أخي وطيابة أختي وشقاوة إبنتها ، سلسبيل القلب ، إبنتى التى لم أنجبها وحلمي الذي لم يتحقق، رغبة جامحة فى ملامسة أكفها الناعمة والجري معها بعيداً بعيداً ، تذكرت آخر رقصة لي معها على أنغام أغنيتها المفضلة قبل السفر والفراق ، نظرتها الحزينة لحظة الوداع ، سؤالها المتكرر عني ، رغبتها الشديدة فى أخذ القلم مني وانا أوقع قسيمة الزواج وكأنها تعلم إني بموجب هذا التوقيع سألتزم بعقد عمل فى بيت رجل ما لا تعرفه هي ويسكن بعيداً وبالتالي لن أصبح متاحة لها كما كنت من قبل

ولي مع " مسألة مبدأ " مبدأ خاص هو أن أحبها وأهيم عشقاً بها ، اللحن وصوت علي الحجار وكلمات عبد الرحمن الأبنودي .. التتر كان من أقوى عوامل نجاح المسلسل حتى إني لم أهتم أن أتابع احداثه بقدر إهتمامي بسماع تتر المقدمة والنهاية كل يوم وحتى فى الإعادة إلى أن ينتهي المسلسل ... أشعر مع هذه المقطوعة الساحرة أنهم تكاتفوا جميعاً لإنجازهذا العمل من أجلي انا وحدي ، وأن الخال الأبنودي يعرفني شخصياً ويريد أن يرسل لي هذه الرسالة كل يوم:ا


كل الجروح ليها دوا يا طير يا حايم في الهوا
اطوي الجناح على الجراح .. واضحك

وياللا نطير سوا
أنا مش هبيع الصدق بالأكاذيب
ولا أقولش للحمل الوديع يا ديب
ولا أقولش للديب يا أعز حبيب
والصدق مهما عز .. في الأزمة مش ههتز
ساعات يكون كتم الأنين أصدق
وأنا مهما أقع راح أقوم
ودي مسألة مبدأ
بيكدبوا الصدق أما الكدب يتصدق
يا ليل تطول بكرة تلقى الفجر بيشقشق
أنا في انتظار الصباح أنا داويت الجراح
وخلاص نسيت اللي راح ..ومن جديد هبدأ
ودي مسألة مبدأ

مع " خلي بالك من عقلك " بدأت أغطس فى بحار النفس الغميقة .. وجدتها متعطشة للنشاط والعمل والإبداع والإنتاج ، وجدت أمامي سلم النجاح بلونه الفضي الجميل ، ولكني وجدت من يحذرني قبل أن أضع قدمي على أول درجة منه أن صعوده لن يكون سهلاً .. فقررت أن أبدأ واتحمل آلام قدمي وقلبي وأعصابي حتى شعرت أني أقترب من قمته .. وفجأة عادت بي الكمان الحزين إلى الحقيقة الأبدية وحكمة الأيام التى تقول أن لكل شئ نهاية وأن الكل سيفنى ويموت ويدفن فى التراب وينتهي حتى الناجحين والمتميزين !!ا

وعند عزف " دعاء" وجدت حلا سحريا لما تركته " خلى بالك من عقلك " فى نفسي من حسرة وألم ، الكل سيموت نعم ولكن يتبقى ممن يرحل الذكرى العطرة والكلمة الحلوة وطلاقة الوجه ومحاولة إسعاد الآخرين بالخير والعمل الصالح .. فإذا كان لابد لنا من الموت فلنترك ذكرى جميلة يتذكرنا بها الجميع ولعلنا نطمع أكثر فى أن يكون لنا من يدعوا لنا ويترحم علينا ، نعم يا أصدقائي فالذكرى الطيبة أطول من أعمار أصحابها الحقيقية بكثير ، فمن عاش للناس إمتد عمره ليشمل أعمارهم جميعاً !!ا

ورأيت على نغمات " تيمة حب " قلوباً عاشقة ونظرات هائمة وإعجاب ورغبة فى اللقاء ..رأيت بيوت تنشأ وأحلام تولد .. رأيت مودة ورحمة وعشرة وآمان وسكن وصداقة وحياة .. رأيت حب كل شئ حتى حصى الأرض وألوان الشجر وأصوات الرياح


وفى " البخيل وأنا " تألقت الجميلة نسمة عبد العزيز التي كانت نجمة هذه الأغنية بحق ، تتوارى كل الآلات الأخرى لتظهر هي مع آلاتها الضخمة " المارمبا" تدق عليها بثبات وإتزان وتدق على قلوبنا بخفة ورقة وإتقان .. يتحدثان سوياً لغة لا ندركها ولكننا نشعر بها ونسمعها بوضوح

أخذني الجنون فى هذه الحفلة الساحرة فوجدتني فى عالم آخر وآماكن أخرى ووجدت قلمي يتحرك على الأجندة الصغيرة بلا توقف ولا هوادة ، ولا ينهي أى فقرة بدأها إلا مع إنتهاء المقطوعة التي بدأ يكتبها معها ، ولكني أستطعت أن اتغلب على هذا القلم المشاغب العجيب فى النهاية وأن اتركه من يدي تماما وأعطي لنفسي الفرصة لكي تستمتع إستمتاعا حقيقيا بالألحان العذبة ، شعرت بألم أصابعي من شدة وحدة التصفيق وثقل الخاتم - إكسسوار لزوم المنظرة - فحررت أصبعي منه ووضعته فى الحقيبة بجانب القلم والورقة وأخذت أتمايل مع الألحان الساحرة

وفى " زي الهوا " عاد لى طعم المرارة مرة أخري لأن اللقاء الثاني بعد الفراق لا يعلم مرارته وقسوته إلا من عاشه وذاق طعمه :ا


ولما تتلاقى الوشوش مرتين
ما بيتلاقوش يوم اللقا التاني
عمر الوشوش ما بتبقى بعد السنين
نفس الوشوش دي بتبقى شيء تاني
بتبدّل الأيام ملامحنا
ترعشنا.. تنعشنا .. تشوّشنا
يا ترى اللي بيعيش الزمن إحنا
والا الزمن هو اللي بيعيشنا

تترك الأيام علاماتها علينا ، تغير كل شئ فينا ، حتى الميول والرغبات ونظرة العين ، أشعر بذلك مع كل من فارقته من أهلى وأصدقائي ويمتد هذا الشعور بي إلى الأماكن والشوارع والبيوت .. فلا أدري هل يختلفون حقاً أم أن عيوني المغتربة هي التي إختلفت ؟!

ولم أصدق أذني عندما بدأ فى عزف " عارفة " وشعرت بإفتقاد حقيقي لصوت علي الحجار الرائع ، تلك الأغنية التي كنت كلما سمعتها أحسست برعشة تسري فى جسدي وبقلبي يدق دقات سريعة ومسموعة .. هكذا أعتدت عندما يقول الحجار ( عارفة؟ ) أعتبرها موجهة لي وحدي لأعرف ماذا يمكن أن تشعر به كل إمرأة وجدت فى الدنيا من يحبها ويعشقها ويقول لها كلمات ساحرة كالتي ينشدها الحجار ( مش عارف ليه بتونس بيكي وكأنك من دمي .. على راحتي معاكي وكأنك أمي ) .. أغنية تحببك فى الحب ذاته بمعانيه الخاصة والعامة حتى حب الأم والوطن

ومع أنغام " المصري " وأصوات التصفيق والطرب على كلماتها الجميلة ( تعرف تتكلم بلدي وتشم الورد البلدي؟ ) تذكرت صديقتي الحبيبة والحضن الدافئ ودموعنا المختلطة فى آخر يوم دراسة بالكلية ، سندوتشات البطاطس " الميكس" والضحكات الصاخبة من القلوب الفرحة والهزار والمرح الدائم واللهو والغناء والرقص مع باقي " الشلة " فى قاعات المحاضرات ، إستغلالي لها عن عمد لإشباع حبي للتصوير فتظل طوال النهار تلتقط لي صوراً كثيرة كثيرة عسي أن أشبع من التصوير ولكن هيهات

وسافرت بي أغنية فيلم " مافيا " إلى مصر العليا فى الأقصر وأسوان وبلاد النوبة الجميلة .. النيل الطيب الصافي .. الوجوه السمراء .. القلوب البيضاء .. رأيت بنتاً صغيرة بلون العسل وضحكتها تشبه سطوع الشمس بعد غيم طويل وجدائلها طويلة ومميزة مثل عيدان القرنفل ، رأيت الرقص النوبي وكرم الضيافة والدم الخفيف والمجدعة .. أهلى وحبايبي وأصلي وجذوري .. عاصمة مصر الأولى .. التمازج العجيب بين آثار فرعونية ذهبية وحجرية وبين وجوه شديدة الشبه بها .. قصة حب أسطورية رائعة بين الأحفاد وأجدادهم

وفي نهاية الحفل اصطحبني العمان الحبيبان " عم أحمد " و" عم صابر" معهما فوق البساط السحري نجوب كل أنحاء مصر .. بلد الصبر والصمود فى وجه الظلم والشعب المسالم ، بلد المآذن وقباب المساجد والكنائس ، بلد العمال المكافحين والفلاحين والأراضي الزراعية الخصبة وحقول الريف الأصيل .. المحاصيل الطازجة وألوانها الزاهية وصديق الفلاح الرشيق أبو قردان .. رأيت الشمس والقمح والقطن والشجر .. رأيت أهل سيناء والبدو والنخل العالي والبلح الأحمر .. رأيت محافظات وجه بحري .. الأمواج المتوالية .. شبك الصيد الباحث عن الرزق فى ظلمات البحر .. الأسماك اللامعة .. حتى رسى بنا البساط السحري أخيراً فى وجه قبلي حيث نبض قلبي وعروقي ودمي .. رأيت البلد التي ذوبتني عشقاً وأرهقتني حباً .. بلدي وأمي وأختي .. مصر