Monday, December 31, 2012

راس السنة وراس الكرنبة


إلتقطتها عدسة البرنامج التليفزيوني ووجدت كورة صغيرة سوداء تقترب من وجهها ادركت بعد لحظات انها المايك .. 

سألها المذيع: كل سنة وانتِ طيبة يا حاجة .. ممكن نعرف راس السنة بتمثلك ايه؟

الحاجة:  احم احم .. راس السنة كانت دايما بتمثلي راس كرنبة كبيرة مش عارفة أقطعها .. بس خلاص كانت أيام عز دلوقتي الكرنب غلي 

المذيع لحقها قبل ما تفتح في العياط وقالها: طيب معلش سيبك من الكرنب دلوقتي وقوليلنا بتعملي ايه في راس السنة 

الحاجة: بص يابني انا في أي موسم كنت بدبح دكرين بط بس هو فينه البط دلوقتي ده غلي راخر 

المذيع في سره: يادي النيلة السودا .. ركزي معايا ياأمي وقوليلي بتحتفلي براس السنة ازاي؟

الحاجة: انا مابحتفلش يابني انا بنام بدري .. بس في حاجة غريبة بتحصلي كل ليلة راس سنة 

المذيع: خير يا حاجة؟ 

الحاجة: كل ما اسمع كلمة راس السنة دي افتكر راس الكرنب وراس الثوم وراس التين وراس البر ولما ازهق افتح التليفزيون وألاقي الست امنية شلباية جمعاهملي وبتعرفني اتخلص منهم ازاي إلهي يسترها

المذيع: تتخلصي من ايه يا حاجة؟!! 

الحاجة: الرؤوس السودا يابني بعيد عنك

Sunday, December 16, 2012

ست البنات


كان شيئاً ما بداخلها يدفعها دفعا نحو تلك الحقيبة السوداء ، وبعدما تأكدت من نوم كل من بالبيت أصبح الإلحاح أقوى ، حرصت على ألا تخبرهم بشئ رفقاً بهم ، فأن تعيش وانت لا تعرف خيرا من أن تعرف فلا تعيش ، ساقت قدميها نحو الحقيبة وفتحتها وأخرجت منها عباءة سوداء وبنطال جينز وشال فلسطيني وحمالة صدر زرقاء

أصابها ذعر كمن فتح مقبرة جسد مات منذ سنين ، سحبت العباءة من الشنطة ببطئ وفردتها على الأرض وضعت فوقها من أعلى حمالة الصدر ومن أسفل وضعت البنطال .. إبتعدت عن العباءة وتكومت في إحدى زوايا الغرفة ، ظلت تنظر نحوها من بعيد وكأنها جثة حقيقية ملقاة أمامها على قارعة الطريق

إنهالت عليها الذكريات كما تنهال السهام في مسابقات الرماية ، انفجار قنابل الغاز ، صرخات الرجال والنساء ، رائحة الغاز المسيل للدموع ، صوت الأنين ، أنين المصابين وأنينها المكتوم ، وجع لا ينتهي ، وجع الفضيحة ، وجع الظلم ، وجع البلاد

17 ديسمبر 2011 ، تاريخ الحادثة أم تاريخ الوفاة؟ توقفت الحياة عند تلك اللحظة وكأنها لحظة وفاة الأمل وتشييعه ودفنه

كانت تجري هربا من جيش النظام الذي لفظها كما لفظ جيلها بأكمله ، لم تستطع مواصلة الجري ، سقطت ، سُحلت ، ضُربت ، رُكلت ، تكشف جسدها أمام كاميرات العالم لينكشف وجه النظام القبيح

عام مضى ، كيف مضى؟ بل كيف مرت الدقائق والثواني؟ عام ذهب فحسب ، تسمع أصوات الفرحين بنجاح مرشحهم للرئاسة ، صوت رئيس الجمهورية وهو يحلف اليمين فور فوزه وشكره للجيش وأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة وئيسه على مجهودهم العظيم في حماية البلاد ، قلادة النيل ، القاضي يعلن البراءة والأهالي تصرخ 

لم تدرك انها ظلت فريسة لأنياب الذكريات لساعات متواصلة إلا عندما سمعت صوت آذان الفجر فقامت وتوضأت ووقفت أمام رب العالمين تصلي

 تقرأ: الحمد لله رب العالمين ، ثم تسمع صوت: ألا تخجلون من تجريد الفتيات من ملابسهن .. يا واد يا مؤمن ، خلاص المنتقبة بقت ثورية دلوقتي؟ يا نصابين .. تطرد الأصوات كأنها ذباب مزعج تُبعده عنها

تركع: سبحان ربيّ الأعلى ، ايه اللى وداها هناك؟ في واحدة محترمة تلبس عباية على العريّ؟

تسجد: سبحان ربيّ العظيم ، تشعر بمرارة في حلقها تزداد كأنها حبل يلتف حول رقبتها ليقتلها

تشرع في الركعة الثانية: إياك نعبدُ وإياك نستعين ، صوت قنبلة الغاز يرج قلبها ، تغمض عيناها حتى تركز في الصلاة فلا تستطيع .. كلما أغمضت رأت نفسها عارية والشياطين السوداء تهجم عليها وتعذبها .. تسرع في فتح عينها لتبعد تلك الصورة التي لا تفارقها ، بكت .. كم بكت ! ، ختمت الصلاة ومسحت دموعها ودعت .. كم دعت ! 

Wednesday, December 12, 2012

رجعت الشتوية


رجعت علقة الخروج الآمن للملابس الصيفية من الدواليب وتبديلها بملابس الشتاء ، رجعت الضحكة بعد لبس الترنج الأزرق ووضع يدي في جيب الجاكيت فتمر أمامي مشاهد من زمن فات مع أخي عندما كنا ندب أيدينا الصغيرة في جيوب الملابس الشتوية/الصيفية فور تبديلها وفي قلوبنا أمل أن نجد نصف جنيه هنا او ربع هناك وياسلام لو ضحكت لنا الدنيا ووجدنا جنيها كاملا

رجعت لحظة اكتشاف ان الملابس الشتوية الخاصة بالسنة السابقة لم تعد مناسبة لطفلي ومن الضروري النزول لشراء ملابس جديدة ، رجعت رحلة اللف على المحلات للبحث عن بالطو مناسب وقراءة الورقة الصغيرة المشبوكة في ذراع كل قطعة والسب  في رجال الاقتصاد والسياسة في سري فور قراءة هذا السعر الباهظ ، رجعت أيام التفكير العميق في جدوى إرتداء بوت وبعد أخذ القرار الحاسم تكون الشتوية روحت !

رجع عقد العزم في بداية كل شتاء على عدم مروره بدون إنتاج حلة محشي كرنب فخيمة ، رجعت رحلة السوق يوم الجمعة لشراء الكرنبة الأمورة والبدء في سلقها وتقطيعها وتحضير الخلطة ثم لفها بعناية لأصابع لا حصر لها ، رجعت الفرحة بالإنجاز الرهيب والرغبة الملحة في التصوير بجوار الحلة حتى لا تذهب هذه اللحظة التاريخية في طي النسيان ، رجع مشهد خروجي من المطبخ والتباهي أمام أسرتي بحلة المحشي كأني إخترعت الذرة

رجعت شوربة العدس الأصفر التي أعشق سهولتها في الإعداد ، عدس أصفر - طماطم - بطاطس - بصل - ثوم ، هكذا أكرر لنفسي فور دخولي المطبخ حتى لا أنسى ، رجع التلكيك على الوقوف أمام الفرن للفوز بأي دفئ عابر أثناء شوي البطاطا أو تسوية صينية مكرونة بشاميل ،  رجعت سندوتشات القرنبيط المقلي واللفت المخلل ذات اللون الوردي الرائع ، رجعت الأطباق الساخنة على السفرة والتي تبرد بسرعة الصاروخ ، رجع الكسل من كل الأنشطة الحيوية الكونية خصوصا غسل الصحون

رجعت أكياس الجوافة والبرتقال – الكبير مش الصغير – أبو سُرة واليوسفي والموز الذي لا يأتي اليوم التالي إلا وقد إختفت سُباطة الموز من على وجه البسيطة

رجع حضن إيديك لكوب الشاي بلبن صباحا والشاي أبو نعناع مساءا ، يليه كوب من السحلب الساخن الملهلب أو حمص الشام المشطشط ، وتحبس بعدهم بكوب نسكافيه او كاكاو باللبن وكتاب لنجيب محفوظ وغنوة لفيروز " بإيام الصيف وإيام الشتي  "ا

رجعت عذاباتي في الديب فريزر المتنكر في صورة منزل أسكنه ، والذي كان أقاربي لا يصدقون مدى البرودة التي أحكي لهم عنها فيظنوني أبالغ أو اتحامل وأتبلى ع الديب فريزر – لا سمح الله – حتى تقع الطوبة في المعطوبة ويقرروا زيارتي ومعاينة البرد الذي يسمعون عنه الأساطير .. أرجوك لا تضحك عندما أخبرك ان هذه الزيارة دائما ماتكون الزيارة الأولى والأخيرة

رجع صوت الرعد وضوء البرق والمطر والنوات ، لحظة ما تشم ريحة التراب وتبص من الشباك تلاقي الدنيا غرقانة فتستغل الفرصة وتقف تدعي وتبكي وتختفي دموعك وسط نقط المطر اللى طرطشت على وشك ، رجع صوت الهواء المُخيف وإرتطامه بكل الشبابيك في وقت واحد ، الأمرالذي يشعرني اني بطلة فيلم رعب تستيقظ من أحلاها نومة لتسأل سؤال وجودي خطير: انا ايه اللى جابني هنا؟!


رجعت أدوار الأنفلونزا غير المبررة وما تشمله من سخونية وتكسير في العظام وإحتقان في الزور وزكام وتبادل أدوار بين الرشح وإنسداد في الأنف ، وإنتشار السؤال الشهير: بعاك بناديل؟ .. لا بعاييش


رجعت أيام وليالي الإكتئاب لإختفاء الشمس وعودة المدارس ورائحة الجوافة وسندوتشات الجبنة النستو – يا معفنين – وكوب البليلة الصميم ، رجعت عمليات إنقاذ الغسيل الملون المنشور على الحبل ولحظة اكتشاف ان المطرة مطرت فوق غسيلي الأبيض عدة مرات متتالية وكأن بينها وبين الغسيل الابيض تحديدا ثأر بائت وتاريخ ليس أبيضا بأي حال من الأحوال

رجع زمن اللكاليك الجميل التي تلتصق بقدميك كأنك قد ولدت بها ، رجعت البطانية اللى على الكنبة وفرد رجلك في إنتظار فيلم حلو أو أخذ الكمبيوتر المحمول على حجرك والغوص في غياهب الإنترنت وبعد النجاة من بين أنياب الفيس بوك تغلق الكمبيوتر ولسانك يردد: غفرانك !  

رجعت بطولة الباليه المائي في الشوارع العائمة على نهر الأمطار العظيم – نهر الطريق سابقا - و بطولة المشي على الحبال في الشوارع العائمة على نهر الطين الفظيع ، رجع استخدام الدروع البشرية المضادة للسقيع والأمطار قبل كل خروجة ، رجعت الساعة 6 بالليل شديدة الشبه بـ4 الفجر ومافيش في الشارع صريخ ابن يومين ، رجعت أيام الخروج في أمان الله وهوب تمطر عليك فتجري تستخبى تحت مظلة محطة الأتوبيس انت 
وباقي أفراد الشعب

رجعت لافتة " مغلق للتحسينات " على أبواب غرف النوم المغلقة خوفا من سرسوب هواء شارد ، رجعت غمزة أبو نسمة التي تدفع أم نسمة للرد بسرعة صاروخية: ايه يا راجل انت حرام عليك ده الجو برد أوي ، فينظر لها أبو نسمة بتحسر ويرد: انتي ظنانة على فكرة ، ده انا حتى كنت لسة هقولك " تيجي مانجيش وناكل قراقيش"؟
رجع كتاب " دراسة القرار الصعب في أزمة استحمى دلوقتي ولا صعب؟! " ، تستغرق مراجعة الكتاب في عقلك أيام وأيام حتى تستجمع قواك وتقرر خوض المعركة وربنا يستر ، تدخل الحمام وتنشغل بأي شئ سوى خلع ملابسك في الثلج ده ، وبعد ان تجد انه لا مفر إلا المواجهة تسلم أمرك لله وتقف تحت الدش 30 ثانية بالعدد 
وتطلع تجري !


رجعت السقعة والتكتكة والجوانتي الصوف والكوفية الملونة والآيس كاب والآيس كريم في عز المطر ودخان البرد اشديد الشبه بدخان السجائر الذي يخرج من فمك كلما استخدمته فيروقك الشعور بالإنحراف الممزوج بالبرودة هذا وتستمر في فتح فمك لخروج المزيد من الدخان ، رجع الترنج أبو زعبوط والبطانية الـ built in وساعة الصبحية وانت مش قادر تسيبها وتقوم تروح المدرسة / الجامعة / الشغل / الاستفتاء ! رجعتالأنوف والأصابع المجمدة والدفاية التي تتحول فور تشغيلها الى فرد من أفراد الأسرة بل أهم فرد في الأسرة على الاطلاق ، رجعت الشتوية التي لا أنتظرها كل عام فأصبر على أمل أن تعود الصيفية بسلام .. والسلام