Monday, October 15, 2012

كناسة الدكان

كناسة الدكانكناسة الدكان by يحيى حقي
My rating: 5 of 5 stars

يقولون أن الكتاب الجيد هو الذي تشعر بعد قراءته أنك فقدت صديق عزيز ، هذا تحديداً ما أشعر به الآن ، ولدي رغبة قوية تدفعني لكي أنظر لبداية الطريق لأعود وأسلكه من جديد فاقرأ ليحيى حقي مرار وتكرار دون كلل أو ملل

الكتاب عبارة عن مقالات 30 مقالة كتبها يحيى حقي في عدة جرائد ومجلات وجمعها في كتاب واحد ، المقال الأول في به سيرة ذاتية للكاتب بقلمه تحت عنوان اشجان عضو منتسب ، هي سيرة ذاتية بالفعل ولكن يمكن اعتبارها عمل أدبي منفصل بذاتها لجمال وحلاوة صنعها كأنه لا يكتب بل يغزل بالحروف لنقرأ قطعة فنية غاية في الروعة والإبداع .. دُهشت لكونه من أصل تركي وغير مصري ومع ذلك يعتبر راهب عاشق في معبد اللغة العربية شديد الاندماج بتربة مصر وأهلها ، تعدت سيرته الذاتية للحديث عن تطور فن القصة في مصر وانتقالها من اسلوب الوعظ والارشاد والخطابة الى اسلوب يصلح للقصة الحديثة كما وردت من اوربا .

أعجبت بوصفه للكاتب بالبوق عندما قال: أصبحت الآن أحس إحساساً واضحاً قوياً أنني لست إلا بوقاً ، لا قيمة له في ذاته ، ولكن قيمته أن إرادة لا ندري سرها إختارته لكي تهمس منه – على تقطع – سليقة اللغة والتراث مختلطة بأشجان الإنسان منذ أعز أجدادي – ساكن الكهوف – حتى اليوم .

يدخلك عالم لم تعاصره على الإطلاق عندما يحكي لك مشقة الخطوات الأولى لفن القصة القصيرة في الأدب العربي الذي أقتبس في البداية من الأدب الغربي ، وكيف أن القصص في البداية كانت باللغة العامية ، ليس هرباً من مشقة الفصحى وحسب بل لكي يكون الأدب معبراً عن المجتمع بصدق ، ثم حدث التحول إلى اللغة العربية لأنها " الأقدر على بلوغ المستويات الرفيعة ، على ربط الماضي بالحاضر ، على توحيد الأمة العربية " .

ثم تحملك باقي المقالات في قطار من اللغة الراقية والأسلوب المُدهش والتجربة الفريدة ليوصلك لعالم يحيى حقي الأدبي المميز ، تعيش معه منذ الطفولة وشقشقة فجر أيامه في البيت وفي المدرسة ثم الجامعة ، وصولاً لعمله في السلك الدبلوماسي ، وتجربة سفره إلى جدة فيسمح لك أن ترى كيف كانت الحياة في جدة عام 1929 من خلال مذكراته عنها ، ثم سفره إلى تركيا ثم إيطاليا فتجرب معه أول لقاء يجمعه بالحضارة الغربية ، مروراً على تجربة فقد زوجته ، حتى تصل معه إلى سن المعاش .

كنت اقرأ الكتاب على مهل كأنني أشرب عصير جميل أخشى أن ينتهي قبل أن أشبع وفي نفس الوقت كنت أركز كأنني أذاكر كل لفظ يكتبه ، ضحكت وأنا اقرأ بعض المقالات وإبتسمت مع البعض الآخر لرقاقة طبعه وجمال شخصيته ، وكعادة الدنيا فكل جميل فيها ينتهي .. إنتهى الكتاب بعد أن وقعت في حب الدكان وصاحبه والكُناسة بذات نفسها .


View all my reviews

Wednesday, October 10, 2012

الدنيا فيها إيه؟ .. الدنيا فيها مج نسكافيه

دخلت المطبخ حتى أحضر نسكافيه الصباح فوجدته ينظر لي ببلاهة كعادته ، إنه مج النسكافيه ذو اللون الأحمر الذي كان هدية على برطمان النسكافيه الكبير ، وبما إن أخلاقي فسدت وأدمن النسكافيه فنفذت الفكرة واشتريت البرطمان الكبير وأخذت المج هدية – وياريتني ما آخذته – كل ما أشرع في عمل مج نسكافيه وأرى المج والمكتوب عليه تهب رياح الإكتئاب على نفسي الضعيفة فتطرحني أرضا ولا أقوى على الأمل


المج يا سادة مرسوم عليه وجه يضحك ( بأفورة ) ومكتوب أعلاه بخط عريض فرفش وتحتها بخط أصغر قليلاً ( الدنيا فيها .. إصحلها ) !! ، كلما قرأت تلك الجملة الغامصة أنسى كل شئ وأبدأ في تفكير عميق وأسئلة فلسفية لا يوجد أي علاقة بينها وبين الصباح ( هي الدنيا فيها ايه؟ واللي فيها يستاهل اني اصحاله؟ ) ، وأفكر انه كان جدير بهم كتابة ( الدنيا فيها بلاوي فخليك نايم احسن) !ا

ثم أذهب في عالم آخر من الأفكار التي " تقفل " أي يوم بدري بدري

الدنيا فيها شهداء الأيام والسنين بتعدي عليهم لا بياخدوا حقهم ولا بيتحقق اللى استشهدوا عشانه

الدنيا فيها أحياء حقهم ضايع ولو طلبوه يُقال لهم: مالكش حق تطالب بحق ضائع ، أومال اطالب بإيه يا ولاد المفكوكة؟

الدنيا فيها شباب ، جيل كامل أدار له القطاع العام ظهره – إلا من أتى منهم بواسطة قوية - والقطاع الخاص وقف ينظر بشراسه وفي يده سكاكين طويلة يسنها ويتوعد لك – إذا ما كنت محظوظاً – بسنوات من الإستعباد والسُخرة في بيئة عمل غير آدمية نظير مرتب معقول ، وإن إعترضت فلتذهب إلى الجحيم .. ألف ، بل مليون من يتمنى مكانك ومستعد له

الدنيا فيها براعم تتعلم اللاشئ ، وياليتها تتعلم اللاشئ بسهولة بل بعذاب وبطلوع الروح وبتلال من النقود وفي نهاية العملية التعليمية والتخرج تظهر الحقيقة المُرة ويكتشف الكارثة ، إنه لم يتعلم شيئا على الإطلاق والقطاع العام والخاص يعلمون ذلك جيداً فأستغنوا عن خدماته من البداية

الدنيا فيها من يريد أن يجد لحياته معنى فقرر أن يقرأ ، وأكتشف انه لكي يقرأ يحتاج ثروة طائلة تواكب أسعار الكتب الجنونية وكأن القراءة حكر على الأغنياء فقط

الدنيا فيها شوارع مزدحمة وأمراض لا حصر لها ومستشفيات غير إنسانية بالمرة ومناطق عشوائية وعمارات تظهر في يوم وليلة وتنهار في ثانية ، الدنيا فيها تسول وتلوث وفساد وفقر وسرقة وجشع ومحسوبية ولوي للحقائق وكذب وإفترا و..

صرخت في عقلي وأفكاره بأعلى صوتي: كفاااااااااية ، ثم إبتعدت عن هذا المج اللعين وقررت ألا أستخدمه مرة أخرى وإخترت مج آخر زجاجي ( بـ2 جنيه ونص ) منقوش عليه ورد وأوراق شجر ، ولكن هذا المج الأحمر السيئ وما صاحبه من تفكير في واقع أسوأ جعلني أتخبط وأضع الماء الساخن على السكر قبل ان أضيف النسكافيه!


أخذت المج الزجاجي وخرجت من المطبخ وأنا أسب وألعن في منتجي النسكافيه ، ماذا سيحدث في الكون لو كانوا كتبوا على المج ( اصطحنا وصبح الملك لله ) أو ( يا صباح الخير ياللي معانا ) أو حتى ( صبح صبح يا عم الحاج ) !ا