Sunday, December 16, 2012

ست البنات


كان شيئاً ما بداخلها يدفعها دفعا نحو تلك الحقيبة السوداء ، وبعدما تأكدت من نوم كل من بالبيت أصبح الإلحاح أقوى ، حرصت على ألا تخبرهم بشئ رفقاً بهم ، فأن تعيش وانت لا تعرف خيرا من أن تعرف فلا تعيش ، ساقت قدميها نحو الحقيبة وفتحتها وأخرجت منها عباءة سوداء وبنطال جينز وشال فلسطيني وحمالة صدر زرقاء

أصابها ذعر كمن فتح مقبرة جسد مات منذ سنين ، سحبت العباءة من الشنطة ببطئ وفردتها على الأرض وضعت فوقها من أعلى حمالة الصدر ومن أسفل وضعت البنطال .. إبتعدت عن العباءة وتكومت في إحدى زوايا الغرفة ، ظلت تنظر نحوها من بعيد وكأنها جثة حقيقية ملقاة أمامها على قارعة الطريق

إنهالت عليها الذكريات كما تنهال السهام في مسابقات الرماية ، انفجار قنابل الغاز ، صرخات الرجال والنساء ، رائحة الغاز المسيل للدموع ، صوت الأنين ، أنين المصابين وأنينها المكتوم ، وجع لا ينتهي ، وجع الفضيحة ، وجع الظلم ، وجع البلاد

17 ديسمبر 2011 ، تاريخ الحادثة أم تاريخ الوفاة؟ توقفت الحياة عند تلك اللحظة وكأنها لحظة وفاة الأمل وتشييعه ودفنه

كانت تجري هربا من جيش النظام الذي لفظها كما لفظ جيلها بأكمله ، لم تستطع مواصلة الجري ، سقطت ، سُحلت ، ضُربت ، رُكلت ، تكشف جسدها أمام كاميرات العالم لينكشف وجه النظام القبيح

عام مضى ، كيف مضى؟ بل كيف مرت الدقائق والثواني؟ عام ذهب فحسب ، تسمع أصوات الفرحين بنجاح مرشحهم للرئاسة ، صوت رئيس الجمهورية وهو يحلف اليمين فور فوزه وشكره للجيش وأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة وئيسه على مجهودهم العظيم في حماية البلاد ، قلادة النيل ، القاضي يعلن البراءة والأهالي تصرخ 

لم تدرك انها ظلت فريسة لأنياب الذكريات لساعات متواصلة إلا عندما سمعت صوت آذان الفجر فقامت وتوضأت ووقفت أمام رب العالمين تصلي

 تقرأ: الحمد لله رب العالمين ، ثم تسمع صوت: ألا تخجلون من تجريد الفتيات من ملابسهن .. يا واد يا مؤمن ، خلاص المنتقبة بقت ثورية دلوقتي؟ يا نصابين .. تطرد الأصوات كأنها ذباب مزعج تُبعده عنها

تركع: سبحان ربيّ الأعلى ، ايه اللى وداها هناك؟ في واحدة محترمة تلبس عباية على العريّ؟

تسجد: سبحان ربيّ العظيم ، تشعر بمرارة في حلقها تزداد كأنها حبل يلتف حول رقبتها ليقتلها

تشرع في الركعة الثانية: إياك نعبدُ وإياك نستعين ، صوت قنبلة الغاز يرج قلبها ، تغمض عيناها حتى تركز في الصلاة فلا تستطيع .. كلما أغمضت رأت نفسها عارية والشياطين السوداء تهجم عليها وتعذبها .. تسرع في فتح عينها لتبعد تلك الصورة التي لا تفارقها ، بكت .. كم بكت ! ، ختمت الصلاة ومسحت دموعها ودعت .. كم دعت ! 

6 comments:

  1. لا حول ولا قوة إلا بالله

    ReplyDelete
  2. فعلا عدت سنة وياعالم كام سنة هتعدى على ماتقدر ونقدر ننسى
    لنا الله

    ReplyDelete
  3. عُدنا بعد 4 بوستس

    1- النسكافية .. تلكيكة جامدة منك وضعف بشري غريب، لا المج ولا شكله هيغيروا حاجة من الدنيا اللي حوالينا
    من الآخر .. غيري المشروب نفسه :-)

    2- يحي حقي

    3- رجوع الشتاء .. بوست اجتماعي شعبي يليق بربِّة منزل مصرية أصيلة من الطراز الأول .. مع التقدير والإعزاز لفقرةأبو نسمة العفريت ;-)

    4- ست البنات .. ماليش نفس أتكلم في السياسة دلوقت

    ReplyDelete
  4. يجب أن أعترف أن رسالتك رائعة. لقد قضيت الكثير من وقت فراغي في قراءة المحتوى الخاص بك. شكرا جزيلا! وإذا كنت بحاجة عبايات حديثه ثم اتصل بنا!

    ReplyDelete

الكلمـة نـور .. وبعـض الكلمـات قبـور